أظهرت الأبحاث أن سوق مراكز البيانات في الشرق الأوسط تتوجه، على الأرجح، نحو تحقيق النمو بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى حوالي 7٪، وذلك خلال الفترة بين 2020 ولغاية 2026. ويكشف التقرير الأخير من "ريسيرش آند ماركتس" عن هذا النمو في ظل انتشار جائحة "كوفيد-19" الذي أدى إلى زيادة الطلب على الخدمات المتعلقة بالإنترنت، نتيجة لإجراءات الحظر والإغلاق على الصعيد الوطني. وأكدت الجائحة على الدور الهام لمراكز البيانات بما يتجاوز مجرد استمرارية عمل شركات تكنولوجيا المعلومات، ويصل إلى متابعة تفاصيل الحياة الروتينية لدى المستخدمين العاديين.
ويعود تزايد حجم البيانات الضخمة بصورة أساسية إلى الاعتماد المتزايد على استخدام الأنظمة السحابية وإنترنت الأشياء والأتمتة والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى استخدام البيانات بالتوازي مع الانتقال المتواصل نحو البنية التحتية للجيل الخامس G5، واعتماد مبادرات المدن الذكية، وتطور التكنولوجيا والحكومات الإلكترونية، وتوسع نطاق التجارة الإلكترونية. كما أسهم مقدمو الخدمات السحابية ووسائل التواصل الاجتماعي ومؤتمرات الفيديو في توليد البيانات بصورة كبيرة.
ونتيجة لزيادة الاعتماد على الأتمتة واستخدام التقنيات الجديدة، تتضخم أحجام البيانات لدى المؤسسات. ولتلبية الزيادة الكبيرة في الخدمات السحابية ومتطلبات سرعات نطاقات الاتصال الفائقة، ينبغي على مزوّدي مركز البيانات ضمان سرعة الوصول إلى السوق، فضلاً عن إتاحة مزايا المرونة وقابلية التوسع.
وتمضي منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة على مسار النمو السريع للأنظمة السحابية، كما تعزز المبادرات الحكومية المختلفة في أنحاء المنطقة من القدرات السحابية الواعدة على الأرجح خلال المستقبل المنظور. ومن هذه المبادرات؛ خارطة الطريق الرقمية الوطنية لرؤية عام 2035 "كويت جديدة"، ورؤية الإمارات 2021 نحو مجتمع رقمي بالكامل، وسياسة "السحابة أولاً" لخدمات الحوسبة السحابية في مملكة البحرين، بالإضافة إلى استراتيجية جديدة لبناء شبكة من مراكز البيانات واسعة النطاق في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية بقيمة 18 مليار دولار.
مسائل مرتبطة بالموقع
أسهمت تطورات التكنولوجيا المتقدمة في تغيير أساليب تواصل الأفراد ومشاركتهم وتفاعلهم مع الأعمال. وفي إطار السعي للتعامل مع التحول الرقمي واعتماد الخدمات القائمة على الأنظمة السحابية، تقوم الشركات في جميع القطاعات بتحويل البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات داخلها إلى مراكز البيانات خارج مقراتها المؤسسية، بهدف مواكبة التغيرات المستمرة في العالم الرقمي. وتعززت زيادة الطلب على مركز البيانات عبر إطلاق العنان أمام تحقيق فوائد متميزة، مثل مرونة البنية التحتية وخيارات الاسترداد الأفضل للبيانات، والأنظمة التشاركية المُحسّنة، وسهولة تنقل الكوادر العاملة، وتيسير الوصول إلى مشغلي الأنظمة السحابية العامة وانخفاض التكلفة الإجمالية للملكية.
ومن الناحية النظرية، يمكن إنشاء مركز البيانات في أي مكان، وذلك بالاعتماد على الطاقة وقدرات الاتصال. وبالنظر إلى أهمية الجوانب الأخرى، مثل الخدمات المقدمة وخيارات الاتصال والدعم الفني، ينبغي عدم الاستهانة بالموقع الفعلي للمنشأة وكذلك بيئة العمل المتاحة للشركاء والعملاء. ولا يقتصر تأثير الموقع على جودة الخدمة التي تقدمها المنشأة لعملائها فحسب؛ بل يؤثر أيضاً على إمكانية الولوج والسهولة التي يمكن للمنشأة أن توفرها لتمكين العملاء من الوصول في الوقت المناسب إلى البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات الخاصة بهم.
وينبغي على الشركات أن تراعي طبيعة احتياجاتها من مراكز البيانات، ودمج هذه الاحتياجات في إستراتيجية تحديد موقع مركز البيانات الخاص بها. كما أن الاستراتيجية الجيدة لتحديد موقع مركز البيانات لا تقتصر على النظر إلى قدرات المركز فحسب؛ بل تعمل أيضاً على تقييم الفوائد التي يمكن أن يوفرها الموقع الفعلي للمركز لتلبية احتياجات العمل الرئيسية، مثل تقسيم المناطق المتعددة لبيئات العمل الفعالة، والتي يمكن لها توفير المرونة اللازمة في التشغيل.
وفي منطقة الشرق الأوسط، يجري تطوير العديد من مراكز البيانات ضمن مواقع بارزة، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يُعتبر التطور السريع لشبكات الاتصال والدعم الحكومي وتنامي الاعتماد على الخدمات السحابية والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء بمثابة دوافع قوية لنمو قطاع مراكز البيانات.
تسعى مراكز البيانات جاهدة لتقديم كفاءة تشغيل قادرة على تحقيق القيمة للعملاء. ويُعتبر التبريد أحد المهام الأكثر صعوبة في البيئة الحارة والجافة لدولة الإمارات. ومع زيادة تطور وكفاءة تقنيات التبريد، تنخفض كلفة الطاقة وتصبح مراكز البيانات أكثر ملاءمة للبيئة. ومن هذه الناحية، تمتلك "خزنة داتا سنتر" منشآت في أبوظبي ودبي تحرص على توفير أعلى كفاءة في استخدام الطاقة من أي مركز بيانات نموذجي في دولة الإمارات.
يعتمد مزوّدو مراكز البيانات في المناخات الباردة مثل شمال أوروبا وبعض أجزاء الولايات المتحدة الأمريكية، على الهواء النقي كمصدر رئيسي للتبريد أو "التبريد المجاني"، مع استخدام المبرّدات للتعويض خلال موسم الصيف. أما في الشرق الأوسط، فالأمر مختلف تماماً، حيث تعتمد معظم مراكز البيانات على المبرّدات في كلّ الأوقات تقريباً.
وتعتمد منشآت "خزنة داتا سنتر" على نظام فروقات أعلى في درجات الحرارة، وتستخدم أنظمة مبردة بالماء مع خيار "التبريد المجاني" عند انخفاض درجات الحرارة في الهواء الطلق خلال فصل الشتاء، مما يخفض فعالية استخدام الطاقة (PUE) إلى 1.48 للحدّ من قيمة فواتير الطاقة.
وبالمقارنة مع موفّرات الطاقة التقليدية، تتطلب مبرّدات التبخير الحديثة غير المباشرة ثلث إمدادات المياه فقط، وهي متوفرة كوحدات مفردة دون الحاجة إلى تبريد ميكانيكي.
ومن ناحية أخرى، تتميز منطقة الشرق الأوسط بقدرتها التامة على توفير بنى تحتية آمنة ومرنة لضمان الحد الأدنى من المخاطر مع الوصول إلى أقصى وقت تشغيل ممكن.
الأطر التنظيمية والتشريعية
ينبغي على اللوائح والتشريعات تعزيز قدرة الأسواق السحابية على العمل بكفاءة، مع حماية السيادة على البيانات على المستويين الوطني والإقليمي، وذلك حين يتعلق الأمر بالحوسبة السحابية، والتي تتضمن توزيع البيانات عبر الخوادم الموجودة في أي مكان في العالم. وتُسبّب الطريقة التي تتجاوز بها الأنظمة السحابية الحدود الوطنية مخاطر محتملة من خلال نقل البيانات إلى البلدان ذات القوانين المُقيدة لخصوصية البيانات وحمايتها، أو السماح لها بالوصول إلى البيانات.
ونظراً لعدم وجود إجماع دولي على مفهوم السيادة على البيانات، يحق للبلدان المختلفة وضع قوانينها المحلية المتساهلة أو المتشددة، والمتعلقة بالخصوصية واستضافة البيانات، بالطريقة تناسبها. وبالتالي، ينبغي على الشركات الامتثال للعديد من الأنظمة القانونية المختلفة بين دولة وأخرى في حال رغبتها بنقل البيانات الشخصية عبر الحدود.
وقد أنشأت بعض دول مجلس التعاون الخليجي بنجاح أطر عمل شاملة للحوسبة السحابية تنظم القضايا المتعلقة بجمع البيانات ومشاركتها واستخدامها على مستوى الدولة نفسها ومع دول أخرى إلا أن بعضها الآخر مازال يفتقر إلى لوائح فعالة لمعالجة هذه القضايا.
وفي دولة الإمارات، تعمل البنوك الحكومية على إنشاء هيئة أبوظبي الرقمية وسلطة دبي الرقمية التي تم إنشاؤها حديثاً لتسريع التقدم التكنولوجي واعتماد أحدث مبادرات تقنية المعلومات والاتصالات، لدعم الازدهار الاجتماعي والاقتصادي للشركات والأفراد، فضلاً عن تعزيز قيمة الاقتصاد الرقمي. ويُمكن للمؤسسات في الشرق الأوسط أن تتجهز لاحتضان المستقبل الرقمي بصورة كاملة، وذلك عبر المعرفة المحلية والأدوات الصحيحة والتعاون مع الشركاء الذين يرغبون بالسير معاً على طريق التحول الرقمي.