يشهد وقتنا الحاضر زيادة غير مسبوقة في الطلب على مراكز البيانات، سعياً لتلبية احتياجات التحول الرقمي والأتمتة التي تشمل كل شيء حولنا، وتتطلب قدرات حوسبة أكبر لتكنولوجيا المعلومات. وقد أصبحت مراكز البيانات إحدى أكثر الموارد قيمة في العالم، نظراً لأهميتها في تمكين التجارة الإلكترونية والحوسبة السحابية، وقدرات العمل عن بُعد وتعزيز الاقتصاد العالمي. وتساعد مراكز البيانات الشركات على تلبية الطلب المتزايد لدى المستهلكين، وبذلك فهي من أكبر القطاعات المستهلكة للطاقة الكهربائية بحسب الفرد، والتي تُمثل اليوم نسبة 1-2 ٪ من إجمالي الاستهلاك العالمي للكهرباء.
وبما أن كفاءة مراكز البيانات واستدامتها أصبحت الآن مسألة تتجاوز نطاق الشركات، والمناطق الجغرافية، وإنجاز الأعمال، ومع تحول هذه المراكز إلى ضرورة أساسية أكيدة لدى جميع قطاعات الأعمال تقريباً، واستمرار التركيز المتواصل على الاستدامة، يصبح السؤال؛ كيف نتمكن من الارتقاء بأداء مراكز البيانات؟
تمكين استدامة الجيل الجديد من مراكز البيانات
تسعى المؤسسات والشركات إلى الحدّ من بصمتها الكربونية من خلال مراكز استضافة البيانات، والتطورات التكنولوجية القائمة على السحابة، وهو ما يجعل مراكز البيانات مرتبطة بشكل مباشر مع القضايا البيئية.
وينبغي إنشاء مراكز البيانات الخضراء اعتماداً على تصميمات ذات كفاءة في استخدام الطاقة منذ البداية، مع أحدث تقنيات البناء. وستحتاج هذه المراكز أيضاً إلى استخدام طرق مبتكرة في استهلاك الطاقة والإنتاج بما في ذلك الطاقة الخضراء، وتدوير المياه، واستخدام أنظمة التبريد الصفرية، وإعادة التدوير وإدارة النفايات، وتجديد مصادر وشبكات الطاقة، والمزيد غير ذلك.
وللحفاظ على مسيرة النمو، ينبغي على قطاع مراكز البيانات أن يتحول نحو اعتماد الأساليب الخضراء والصديقة للبيئة في استهلاك الطاقة وإنتاجها. ومن هنا تأتي الأهمية الكبرى لشبكات الطاقة المرنة والقادرة على توفير الطاقة الخضراء والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تقنيات التبريد والتحكم المبتكرة.
ومن هذا المنطلق، قامت "خزنة داتا سنتر" بتركيب الألواح الشمسية الكهروضوئية في مواقف السيارات، واعتمدت على أنظمة الإضاءة بمصابيح LED والمزودة بأجهزة استشعار الحركة في جميع منشآتها، للحدّ من استهلاك الكهرباء إلى أقل قدر ممكن، وخفض توليد الحرارة، لتقليل الحاجة إلى تكييف الهواء.
وعندما تسمح الظروف الجوية، يتم الاعتماد على البرودة الطبيعية للهواء الجوي للتقليل من استخدام المبرّدات، وبالتالي، الحدّ من الانبعاثات الكربونية. كما نقوم دائماً بتحليل أساليبنا الجديدة في التصميم واختيار المعدات والتكنولوجيا المستخدمة، ومطابقتها مع معايير الاستدامة عبر ممارسة مستمرة نستكشف من خلالها الحلول المبتكرة على كل محور من محاور البنية التحتية لمراكز البيانات. وقد أنشأنا مراكز البيانات الجديدة وتم اعتمادها بالحصول على 4 لآلئ من برنامج "استدامة" الذي أطلقته دائرة التخطيط العمراني والبلديات، واعتماد "ليد جولد" لتحديد معايير المباني الخضراء في أبوظبي.
ونلتزم في (خزنة) بتشغيل مراكز بيانات حديثة تراعي البيئة أيضاً؛ حيث نعتمد على أساليب مبتكرة لإنشاء مراكز بياناتنا وفق معايير "صفر نفايات"، مثل إدخال نهج الاستدامة 'durable first' ضمن معايير التصميم العالمية لمنشآتنا، بالإضافة إلى التركيز على منع الهدر من خلال تقليل كمية المياه التي ننتجها قدر الإمكان، ثم إعادة استخدامها أو تدويرها.
كما يُعدّ استهلاك الطاقة مؤشراً دقيقاً على مستوى الاستدامة البيئية. وعادة ما يتم قياسه في مراكز البيانات باستخدام معيار كفاءة استخدام الطاقة (PUE). وبحسب معهد Uptime، فقد كان المعدل العام لكفاءة استهلاك الطاقة السنوي في مركز البيانات 1.57 في عام 2021، بتحسن طفيف عن معدّله البالغ 1.59 في عام 2020، والذي يتوافق مع الثبات العام في معايير كفاءة استهلاك الطاقة على مدى السنوات الخمس الماضية.
ونحن في "خزنة داتا سنتر" نتميز بمعدّل سنوي مستهدف لكفاءة استهلاك الطاقة في مركز البيانات يقل عن 1.5، ومعدّل أفضل في استهلاك المياه. كما نحرص على تقييم وتحديد حجم نظام التبريد والبنية التحتية الكهربائية الحيوية وفقاً لأفضل معايير الكفاءة والتقنيات المتاحة في السوق، مع تقليل هدر الطاقة عند الأحمال الجزئية (ضواغط VSD ووحدات UPS عالية الكفاءة، تبريد ثابت الحرارة، أنظمة مراقبة مركزية حديثة، تبريد حرارة المياه العالية، تقنيات التحكم في الإضاءة، وغيرها).
اعتماد منهجيات الاستدامة يُعزّز المكانة
من أهم التحديات التي يواجهها قطاع مراكز البيانات هي تلبية الطلب المتزايد على قوة الحوسبة والخدمات الرقمية. ولكن، من المتوقع أيضاً أن يرتفع أداء مراكز البيانات بصورة أكبر مع احتياجات موارد أقل، وأن توفر مزيداً من قوة الحوسبة بطاقة أقل، مع الحدّ من البصمة الكربونية. وسيراً على خطى قيادتنا الرشيدة، يتمثل دافعنا الأساسي نحو تبني مبادرات فعالة ومستدامة لمراكز البيانات في تلبية متطلبات الأطراف المعنية؛ حيث يدرك العملاء والمستخدمون والشركاء والمنظمون حاجتنا إلى وضع أهداف مستدامة تركز على العمل معاً لمواجهة التغير المناخي.
ومع حرص الحكومات المحلية والوطنية على وضع أهداف طموحة تركز على الحدّ من الانبعاثات إلى "صفر كربون"، يتزايد التوجه الهادف لجعل مراكز البيانات أكثر ملاءمة للبيئة، ويدفع مزوّدي مواقع الاستضافة المشتركة لتبني عمليات أكثر استدامة.
ويتمثل التحدي الرئيسي أمام تحسين استهلاك الطاقة في مركز البيانات في ضرورة الحفاظ على موثوقية الخدمة العالية وتوافرها، فعلى الرغم من أهمية الاستدامة البيئية بالنسبة للقطاع والهيئات التنظيمية، فإن استمرارية الأعمال أيضاً تشكل عنصراً بالغ الأهمية. وسيتعين على مراكز البيانات والهيئات التنظيمية العمل معاً على وضع أهداف قابلة للقياس، وعلى دعم المبادرات ومتابعة التقدم المنجز نحو تحقيق الأهداف.
تتوافق أعمال "خزنة داتا سنتر" مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لتحقيق مجتمع مزدهر وشامل ومستدام للجميع. ونحن ملتزمون تجاه موظفينا بضمان المساواة بين الجنسين في العمل، وبتنفيذ برنامج رفاهية الموظفين، وتطبيق برنامج التوطين، إلى جانب الحفاظ على موظفينا وسلامتهم، حيث لم تسجل أي إصابة أو وفاة بين الموظفين في عام 2021. كما أننا ملتزمون بالبيئة والعمل على مواجه التغير المناخي، من خلال إدارة استهلاك الطاقة بالاعتماد على تقنيات التبريد الجديدة، وأنظمة المراقبة المركزية الحديثة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة (TSE)، واستخدام كميات أقل من المياه في أنظمة التبريد، والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة حيثما أمكن ذلك، وعلى تركيب معدات حديثة عالية الكفاءة.
مستقبل مراكز البيانات المستدامة
من الرائع أن نشهد إنجازات قادة الإمارات وجهودهم المتواصلة والهادفة لإحداث تأثير إيجابي على المجتمعات؛ حيث أن مستقبل كوكبنا وأبنائنا يعتمد على قدراتنا وتوافقنا مع مفاهيم الاستدامة في مختلف القطاعات، سواء في الهندسة أو البناء أو التشغيل أو التكنولوجيا أو غيرها.
وخلال مؤتمر "كوب 28" الذي سيستضيف في العام المقبل ما يقارب 200 دولة في أبوظبي، سيتوجه تركيز المشاركين نحو إيجاد حلول مبتكرة وخلاقة لمستقبل مستدام. وستتاح لنا في الفرصة في دولة الإمارات لإبراز الإنجازات التي حققها قادة الإمارات على مسار تحول البلاد نحو مستقبل معزّز بالطاقة الخضراء والتقنيات المتقدمة والحلول المبتكرة.
وبالتوازي مع التغييرات الكبيرة التي يشهدها العالم، فقد أدى خفض استهلاك الطاقة وحصر التكاليف، والاستفادة من التقنيات الحديثة في إدارة عمليات التبريد والتحكم بالحرارة إلى تغيير طريقة تصميم مراكز البيانات وإدارتها وصيانتها. ويتطلع مشغلو مراكز البيانات إلى التطوير الدائم، والاستثمار في أساليب مبتكرة تجعل مراكز البيانات أكثر كفاءة واستدامة.
وعبر نظرتنا المستقبلية لمراكز البيانات، نتوقع من مشغلي مراكز البيانات اتخاذ نهج عملي يغير آلية استراتيجيات النشر التقليدية؛ فهم في وضع مثالي لربط العالم بالاستفادة من خبراتهم، وتحويلها إلى تعاون أفضل داخل القطاع، يرسّخ أفضل الممارسات ويضمن تحقيق الأهداف المشتركة. وباعتبار أن قطاع مراكز البيانات ما يزال ناشئاً ومهماً، ينبغي إدماج معايير الاستدامة ضمن جميع التطورات المستقبلية على صعيد التصميم والبناء، والبنية التحتية والتكنولوجيا والتشغيل والخدمات.